من الصيغ التي دخلت لحياتنا منذ سنوات عالم الإنترنت
يظل العالم غير متوقع، ويحمل دهشاته معه، ولكل جيل ما يرضي فضوله ونهمه، ويبدد رتابة الحياة، ويظل يحقنها بالمفاجآت السارة!
فمن حكمة الحياة أنها لا تقدم نفسها دائما بالأدوات والملامح نفسها، وأنها من الذكاء بحيث تعرف أن ما أدهش الجد لا ينفع بالتأكيد لإدهاش حفيده!
وهكذا تتوالد الأفكار التي تظل تمنح لكل جيل خصوصيّة ما، في حياته وممارساته، وفي الصيغ الحديثة التي يعيش بها وعبرها، ويستخدمها في إنشاء منظومة تفاصيله من جدّ وهزل وعمل ومرح وفكر وتجارة وعاطفة وعلم!
من الصيغ التي دخلت لحياتنا منذ سنوات عالم الإنترنت، حيث صار البريد أسرع وأكثر عملية من الرسائل والمغلفات، وصار غوغل أكثر إخلاصاً من الكتب، وصار الإنترنت ضروريا وليس ترفا، ومن بوابات الإنترنت الجديدة عالم الفيسبوك!
هنا، في هذا العالم الوهمي، خلف الشاشة اللامعة، يسكن أصدقاء كثيرون، تدقّ أبوابهم صباحا، فيخرجون باسمين، ويجتمعون في شرفة جهاز الكمبيوتر لتتناولوا القهوة معاً!
بإمكانك أن تضيف لرصيدك يومياً الكثير من الأصدقاء، الذين تختارهم حسب اهتماماتك، وتتساءل: هل حقاً يصير الصديق هنا صديقاً بمعناه الواقعيّ؟!
هل سيلغي الفيس بوك الحدود والمطارات ويُسكن الناس في قرية افتراضيّة، يجتمعون في ساحتها المرفهة بالموسيقى والصور واللوحات، ويتبادلون الكلام وكل منهم ممدد الساقين على أريكته؟!
هل لهذا الحد صار العالم أصغر والناس بمتناول اليد!
تستطيع أن تقول نعم، بل إن مواصفات الناس الحقيقيّة انتقلت إلى عالمهم الافتراضيّ، فالسطحيّ منهم يظهر ذلك في اختياراته لما يكتب أو ما يقتبس، وكذلك الثرثار الذي لا يتردد في وضع عشرات الكتابات له يومياً على الصفحة، والأحمق الذي يتوسل رضا النساء وإعجابهن بعبارات بلهاء، أو بأغنية لعبد الحليم!
البعض يدخل لمجرد الدردشة، كأنه واقف على بلكونة منزله، أو في محطة لغسيل السيارات، وبعضهم تحسّه يحمل صحن المكسرات على حِجره ويتمطى في غرفة الجلوس بالبيجاما!
عالم غنيّ وغرائبيّ وغير متسامح، يجعل تواصلك مع الناس سهلاً بشكل يثير فزعك، وفي الوقت الذي يخيّل لك للوهلة الأولى أن إقامة كل هؤلاء الضيوف في صفحتك ستشعرك بالطمأنينة، تصادف حماقات كثيرة مدججة بالهبل والعبط والادعاء، كما تلتقي بكثيرين تضخمت لديهم الأنا حتى صاروا يعتقدون أن كل عبارة ينطقونها هي قول مقدس ينبغي تأميمه ونشره في الناس تعميماً للفائدة!
لكنه بالمجمل عالم غنيّ، يستحق المرور به وإعطائه بعضاً من وقتنا، وأن نفكر كيف نطوّعه لخدمة ما نهجس به وما يوصل فكرتنا وآراءنا للآخر دون ابتذال ودون أن نتعامل معه كاختراع كوميديّ نعلّق على حائطه سذاجات غبيّة، أو أن ندخل إليه بـكيس ترمس مثل أي حديقة عامة!