[IMG][/IMG]لغز المنتخب المصري يبحث عن حل
عندما فاز المنتخب المصري بكأس الأمم الأفريقية عام 2006 تمنى الجميع لو كان هذا المنتخب بما يملكه من لاعبين وجهاز وطني تأهل إلى نهائيات كأس العالم الماضية في ألمانيا، خاصة بعد الأداء المتوازن الذي تغلب من خلاله المنتخب المصري على منتخبات كبيرة مثل السنغال وكوت ديفوار مرتين في الدور الأول وفي النهائي من كأس الأمم.
وتوقع المصريون أن يستمر منتخبهم في التألق ويتأهل بسهولة إلى كأس الأمم الأفريقية " غانا 2008" خاصة أنهم حاملو اللقب، كما أنهم وقعوا في مجموعة بالغة السهولة مع موريتانيا وبوروندي وبوتسوانا. ولكن خابت التوقعات وأدى المنتخب المصري تصفيات صعبة وعسيرة تعادل فيها خارج ملعبه مع بوتسوانا (0-0)، وتعادل مع موريتانيا (1-1)، ثم أكمل نتائجه السلبية خارج ملعبه بالتعادل مع المنتخب البوروندي سلبياً. أي أن الفراعنة أبطال أفريقيا فشلوا في تحقيق الفوز خارج ملعبهم على بوتسوانا وموريتانيا ورواندا.
وذهب المنتخب المصري إلى أمم أفريقيا " كان 2008" والجميع، سواء جماهير أو خبراء يتوقعون أن يودع البطولة من الدور الأول أو من ربع النهائي على أكثر تقدير. ولكن كعادتهم دائماً خالف المصريون كل التوقعات وتلاعب أبناء شحاتة بأسود الكاميرون وأمطروا شباكهم بأربعة أهداف، منها ثلاثية في النصف ساعة الأول من اللقاء، الذي انتهى بفوز الفراعنة (4-2)، ثم اكتسح المصريون بعد ذلك المنتخب السوداني قبل أن يتعادلوا مع زامبيا (1-1).
ويالها من مفاجأة أذهلت الجمهور المصري نفسه قبل أي أحدٍ آخر فالمنتخب المصري، الذي ذهب إلى الأمم الأفريقية محملاً بالدعوات أن يخرج منها بأقل الخسائر، أصبح هو النجم الأول في غانا وظهر بمظهر البطل الذي يدافع بكل قوة وشجاعة عن لقبه.
وواصل المصريون تألقهم في الدور الثاني وتخطوا المنتخب الأنغولي بأقل مجهود (2-1)، ثم جاءت المواجهة الكبرى أمام أفيال كوت ديفوار، وحاول دروغبا ورفاقه أن يثأروا من الفراعنة الذين انتزعوا منهم اللقب في البطولة الماضية في القاهرة، ورشح الجميع المنتخب الإيفواري أن ينهي تفوق المصريين بسهولة ويتأهل للنهائي، ولكن أبناء شحاتة واصلوا مفاجآتهم وأذاقوا المنتخب الإيفواري مرارة الهزيمة برباعية، في مباراة وصفها خبراء كرة القدم والمحللون الأوروبيون بأنها موقعة رائعة، وقالوا عن المنتخب المصري بعدها إنه منتخب عالمي يخوض لقاءاته باستراتيجية رائعة يعتمد فيها على الأداء المتوازن بين الدفاع المنظم والهجوم السريع الذي يعتمد على الوصول لمرمى الخصم بأقل عدد من التمريرات.
لذلك لم يكن غريباً أن تستكمل قافلة الفراعنة مسيرتها وتطيح بأسود الكاميرون للمرة الثانية في المباراة النهائية، لتحرز مصر أحد أغلى وأهم الألقاب في تاريخها الرياضي.
وكان طبيعياً بعد ذلك أن يكون الفراعنة هم أول المرشحين عن قارة أفريقيا للتأهل للمونديال القادم. ولكن عاد مستوى المنتخب المصري إلى التذبذب من جديد وتعرضت مسيرته في الدور الأول من تصفيات المونديال للخطر عندما خسر خارج ملعبه أمام مالاوي (0-1) في مفاجأة مدوية. إلا أن رفاق أبو تريكه حسموا تأهلهم للدور الثاني بعد أن انتزعوا فوزاً ثميناً خارج ملعبهم على منتخب الكونغو الديمقراطية في كينشاسا.
وجاءت بعد ذلك قرعة الدور النهائي من التصفيات ووقع المنتخب المصري في مجموعة تضم معه كل من زامبيا ورواندا والجزائر. وبالتأكيد وقتها كان بطل أفريقيا لدورتين متتاليتين هو المرشح الأول لتصدر المجموعة والتأهل بالتالي إلى النهائيات، إلا أن اللاعبين المصريين عادوا لممارسة هوايتهم الغريبة، حيث تعادلوا في بداية التصفيات على ملعبهم مع زامبيا (1-1) ثم سقطوا خارج ملعبهم أمام الجزائر (3-1) قبل أن يقتنصوا فوزاً بشق الأنفس على المنتخب الرواندي الضعيف بثلاثية جاء هدفها الأول قبل نهاية المباراة بـ20 دقيقة تقريباً.
كان ذلك وصفاً تفصيلياً لحال المنتخب المصري في آخر أربع سنوات أداء راقي وتألق ومنتخب تظن للوهلة الأولى أنه منتخب عالمي ثم انهيار مفاجئ وتلعثم في الأداء ونتائج مخيبة للآمال.
كأس القارات
ولا شك أن خير دليل على أن المنتخب المصري أصبح يشكل لغزاً محيراً ليس فقط للمصريين بل لكل الخبراء والمحللين في العالم أجمع، هو ما حدث في كأس القارات الماضية عندما تألق الفراعنة أمام المنتخب البرازيلي وأمطروا شباكه بثلاثة أهداف نظيفة لأول مرة في تاريخ مباريات راقصي السامبا منذ عام 2005، ثم واصلوا إبداعهم وهزموا أبطال العالم بهدف دون رد ليرشحهم الخبراء ورجال الإعلام ليس فقط للتأهل للدور الثاني بل للمنافسة بقوة على كأس البطولة.
ولكن "كالعادة" انقلب أداء المصريين رأساً على عقب، وجاء أداء أبناء حسن شحاتة مخيباً للآمال في ثالث مباريات مصر في الدور الأول، وسقط أبناء النيل بثلاثية حزينة خرجوا بعدها من البطولة، بشكل درامي لم يتوقعه أكثر المتشائمين.
فما هو سبب هذا التذبذب في المستوى؟، لماذا يتألق المنتخب المصري ويصل إلى أعلى المستويات الفنية في مباراة، ثم يتراجع بشدة في المباراة التي تليها؟ بل إن التذبذب في المستوى أصبح من شوط إلى شوط تماماً مثلما حدث أمام البرازيل وأمام رواندا.
منتخب الجزائر يستحق الاحترام
ينبغي أن يؤخذ الحديث عن المنتخب المصري على أنه حديث عن المرشح الأول للتأهل إلى مونديال جنوب أفريقيا على حساب المنتخب الجزائري، أو على أنه تقليل من حظوظ المنتخب الجزائري للترشح إلى المونديال للمرة الثالثة في تاريخه بعد بطولتي (1982 و1986)، فعلى العكس تماماً المنتخب الجزائري "حتى الآن" هو المرشح الأوفر حظاً والأقرب إلى حجز تذكرة التأهل إلى كأس العالم عن المجموعة الأفريقية الثالثة على حساب الفراعنة، فهو يتصدر المجموعة برصيد سبع نقاط بفارق ثلاث نقاط عن المنتخب المصري، كما أنه مدعّم بفارق أهداف مريح (+4)، في الوقت الذي أحرز فيه المنتخب المصري خمسة أهداف ودخل مرماه أربعة أهداف كاملة.
كما أن لاعبي الجزائر أدوا تصفيات متميزة حتى الآن وحققوا نتائج هي بدون شك الأبرز للمنتخب الجزائري في العشر سنوات الأخيرة. ويكفي أن نعرف أن المنتخب الجزائري البعيد عن كأس العالم منذ 24 عاماً تقريباً والغائب عن آخر بطولتين لكاس الأمم الأفريقية نجح في الفوز خارج ملعبه على زامبيا بهدفين دون رد، وهو أول انتصار للجزائريين خارج ملعبهم منذ أكثر من خمس سنوات، عندما فازوا على النيجر بهدف دون رد يوم 11 – 10 – 2003 في إطار التصفيات التمهيدية المؤهلة لمونديال ألمانيا الماضي، إضافة إلى أنها المرة الأولى في إطار التصفيات النهائية لكأس العالم (بنظام المجموعات) التي يحقق فيها المنتخب الجزائري فوزين متتاليين ويجمع ست نقاط كاملة من مباراتين. إذاً فالمنتخب الجزائري هو الأفضل والأقوى في مجموعته حالياً، ولكننا نتعرض للمنتخب المصري لأنه أصبح ظاهرة في عالم كرة القدم يحرز كأس أمم أفريقيا مرتين متتاليتين ثم يخسر من مالاوي ويتعادل بصعوبة على ملعبه مع زامبيا، ويهزم إيطاليا ويسجل ثلاث أهداف في مرمى البرازيل ثم يسقط بعنف أمام المنتخب الأمريكي ويتعثر ويفوز بشق الأنفس على رواندا.
شخصية اللاعب المصري
لا يمكن أن نضع اللاعب المصري نفسه بمنأىً عما يحدث، فكما أنه المسؤول الأول عن النتائج المبهرة مثل الفوز الساحق على منتخب كوت ديفوار برباعية وهزيمة أبطال العالم، فهو أيضاً عليه مسؤولية مباشرة عن السقوط المدوي أمام الجزائر ودخول مرماه ثلاثة أهداف في عشر دقائق فقط. والحقيقة أن اللاعب المصري الذي يمتاز بالروح القتالية العالية والأداء الجماعي المتميز والمهارات الفردية الرائعة، يتسم أيضاً بأنه قليل الطموح يكتفي بأي إنجاز يحققه ولا يطمح لتحقيق المزيد.
ولنتذكر كيف أن مهاجم يتميز بإمكانيات مذهلة مثل عمرو زكي أبهر العالم في الدوري الإنكليزي أحد أقوى وأعنف وأهم بطولات الدوري الأوروبية وسجل عشرة أهداف في شهرين تقريباً وتفوق على مهاجمين متميزين وكبار مثل أنيلكا وروبي كين وتيفيز وتوريس بل وكريستيانو رونالدو أفضل لاعب في العالم، ثم توارى واختفى فجأة وتفرغ للمشاكل بينه وبين ستيف بروس مدربه في ويغان، وكيف أنه وبعد أن تغنت باسمه جماهير ويغان وأصبحت تحمل الأعلام المصرية خصيصاً تشجيعاً له أصبح يتلكأ في العودة من مصر عند ذهابه للالتحاق بمعسكرات المنتخب المصري حتى قال عنه بروس أنه أسوأ لاعب دربه في حياته، وبعد أن كان مسؤولو ويغان يسعون بشتى الطرق لشراء عقد زكي نهائياً في نصف الموسم الماضي، أعلنوا من تلقاء نفسهم أن زكي سيغادر الفريق وأنهم لن يجددوا استعارته على الرغم من أنه هداف الفريق الموسم الماضي.
مثال آخر غريب ربما لا يتكرر ثانية على مستوى لاعبي العالم، وهو لاعب الوسط المدافع حسني عبد ربه الذي تألق بشدة في بطولة الأمم الأفريقية الماضية وحصل على لقب أفضل لاعب في البطولة متفوقاً على الغانيان إيسين ومونتاري والنيجيري أوبي ميكيل والإيفواريون دروغبا ويايا تورى وكالو، وبدلاً من أن يساعده ذلك على الاحتراف في أهم وأقوى الدوريات العالمية وجدناه يترك كل ذلك ويتفرغ لمشكلة محلية غريبة وهي الاحتراف في الأهلي المصري أو البقاء في ناديه الفرنسي ستراسبورغ أو الذهاب إلى ناديه الأصلي الاسماعيلي وهي مشكلة جمدت اللاعب تقريباً لعدة أشهر وأخرجته عن تركيزه تماماً وجعلته يقنع باللعب في صفوف أهلي دبي الإماراتي، وهو النادي الوحيد الذي تقدم بعرض رسمي لضمه بعد أن امتنعت تقريباً جميع الفرق الأوروبية عن تقديم عرض حقيقي للاعب للاحتراف في صفوفها خوفاً من أن يتركها فجأة تماماً مثلما ترك ناديه الفرنسي.
مشاكل فنية
يتبع المصدر الجزيرة الرياضية